مزاجي : الدولة : عدد المساهمات : 988 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 17/09/2011 العمر : 31 الموقع : coral.arabepro.com
موضوع: لاتقنطوا من رحمة الله الخميس يونيو 07, 2012 6:59 am
بسم الله الرحمن الرحيم
لا تقنطوا من رحمة الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
أما بعد فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور. طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا. حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته. إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..
» لا تقنطوا من رحمة الله «
هذا هو عنوان خطبتنا في هذا اليوم المبارك أسأل الله جل وعلا أن يذلل لى ولكم الصعاب، وأن ييسر لى ولكم الأسباب وأن يفتح لي ولكم الأبواب إنه الحليم الكريم الوهاب. ونظراً لطول هذا الموضوع فسوف ينتظم حديثى مع أحبابي في العناصر التالية:
أولاً: الدنيا دار ابتلاء وبوتقة اختبار. ثانياً: خطر الذنوب والمعاصى. ثالثاً:نداء علوى رقيق. وأخيراً: فهل من توبة.
فأعيرونى القلوب والأسماع. فإن هذا الموضوع من الأهمية بمكان.
أولا: الدنيا دار ابتلاء وبوتقة اختبار
أيها الحبيب الكريم. من يوم أن وجدت فى هذه الدنيا وأنت مبتلى، وأنت مختبر، إن مَنَّ الله عليك بالمال فأنت في بوتقة اختبار، إن مَنَّ الله عليك بالعافية والصحة فأنت مبتلى .. إن ابتلاك الله بالشك والضيق فأنت مبتلى. وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً([1]) هذه الدنيا دار إبتلاء وبوتقة اختبار ليست دار قرار وإنما هي دار بلاء ودار زوال. اسمع إلى الكبير المتعال جل جلاله وهو يقول: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ([2]) هذا حكم الله جل وعلا على هذه الدار.
فانتبه أيها الحبيب.. ولقد تعمدت أن أبدأ الموضوع بهذا العنصر لينتبه كل غافل وليستعد كل ظالم.. ولينتبه كل مسوف للتوبة ظنا منه أن هذه الدنيا دار إقامة.. ، ودار قرار.. كلا إن الدنيا دار ابتلاء وبوتقة اختيار.. ومهما طالت فهي قصيرة.. ومهما عَظُمَت فهي حقيرة، لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر.
استمع إلى حبيبك المصطفى وهو يبين لنا حقيقة هذه الدار في هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة : يقول الحبيب ( إِنَّ ثَلاَثَةً نَفُرِ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكاً فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى الَّذِى قَدْ قَذِرَنِى النَّاسُ([3]).فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِىَ لَوْناً حَسَناً وَجِلْداً حَسَناً قَالَ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الإِبِلُ - فَأُعْطِىَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَال:َ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا. فَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّى هَذَا الَّذِى قَذِرَنِى النَّاسُ.َ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ وَأُعْطِىَ شَعَراً حَسَناً.قَالَ: فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ.فَأُعْطِىَ بَقَرَةً حَامِلاً وَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا قَالَ: فَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَىُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْك؟َ قَال:َ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِى، فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاس. فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ .قَال:َ فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ . فَأُعْطِىَ شَاةً وَالِداً فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا - قَالَ - فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ» اسمع أيها الحبيب : فأرسل الله جل وعلا المَلَك إليهم مرة أخرى لكن الملك ذهب إلى كل واحد منهم على صورته التي كان عليها من قبل فذهب الملك في صورة رجل أبرص إلى الرجل الأول.
يقول المصطفى : « ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِى صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ قَدِ انْقَطَعَتْ بِىَ الْحِبَالُ ([4]) فِى سَفَرِى فَلاَ بَلاَغَ لِىَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِى أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيراً أَتَبَلَّغُ به([5]) فِى سَفَرِى . فَقَالَ الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ . فَقَالَ: لَهُ كَأَنِّى أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ؟ فَقِيراً فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟! فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ!!» استمع إيها الحبيب: ألم أقل لك أن الدنيا دار ابتلاء وبوتقة اختبار .. لما أعطاه الله المال نسى أصله ونسى فقره وعجزه وحين ينسى الإنسان أصله.. تعالى..، وتكبر..، واستعلى.. إذا نسى الإنسان أنه كان شىء لا يذكر أَصْلُك يا ابن آدم من تراب.. وفصلُكَ يا ابن آدم من النطفة..!! وأصْلُك يوطأ بالأقدام.. وفصلُكَ تطهر منه الأبدان..!! قال تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ ([6]) ورد في مسند الإمام أحمد بسند حسن من حديث بُسر بن جُحاش القرشى أن رسول الله بصق يوماً في كفه فوضع عليها أصبعه ثم قال : قال الله عز وجل :« يا ابْنَ آدَمَ أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ؟ حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْت:َ أَتَصَدَّقُ وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ »([7]). حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ([8]) أحبتى في الله نعود إلى الحديث : يقول الملك : ألم تك أبرص يقذرك الناس ، فقيرا فأغناك الله؟! فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر !! كلمتان كانت السبب في محو هذه النعمة وفي زوال هذا الخير..يقول له الملك : «إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت » يعلق الحافظ ابن حجر في الفتح ويقول : وجاء في النص النبوي إن الله عز وجل قد فعل به ورده إلى ما كان إليه أول مرة. ثم ذهب الملك إلى الرجل الثانى وقال لما مثل ما قال للرجل الأول فرد عليه مثل مارد عليه الرجل الأول فقال له الرجل الأول فقال الملك: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت فصار إلى ما كان كما قال الحافظ ابن حجر، ثم ذهب الملك إلى الرجل الثالث وهو الأعمى فقال:« رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ، شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي؟ فَقَال:َ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ ([9]) الْيَوْمَ بشئ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ عز وجل فَقَالَ الملك: أَمْسِكْ عليك مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رُضِيَ الله عَنْكَ، وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ ([10]) ألم أقل لك أيها الحبيب بأن الدنيا دار ابتلاء.. ألم أقل لك أيها الحبيب بأن الدنيا دار اختبار. َاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا([11])
أيها الحبيب الكريم : قال لقمان الحكيم لولده: أى بنى إنك من يوم أن نزلت إلى الدنيا استدبرت الدنيا، واستقبلت الآخرة، فأنت على دار تقبل عليها أقرب من دار تبتعد عنها.
أيها الحبيب الكريم .. الدنيا دار ابتلاء وبوتقة اختبار، وليست دار قرار ، وإنما دار القرار هي الجنة، جنة الكبير المتعال أسأل الله أن يجعلنى وإياكم من أهلها. هذا بإيجاز عن العنصر الأولى حتى أُعَرِّج على بقية عناصر الموضوع إن شاء الله جل وعلا.
ثانيا : خطر الذنوب والمعاصي
لما كان الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان ويعلم ضعفه وفقره وعجزه ويعلم أنه لا يستطيع أن يقنن أو يشرع لنفسه ما يسعده في الدنيا والآخرة. جعل الله للإنسان منهجا يضمن له السعادة في الدنيا والآخرة فقال:
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى([12]) أيها الحبيب وضع الله للبشرية منهجاً يضمن لها السعادة في الدنيا والآخرة. فمن اتبع منهج الله. سعد في دنياه وسعد في أخراه، ومن أعرض عن منهج الله وعصى مولاه شقى في دنياه، وهلك في أخراه. فالمعاصى سبب للشقاء في الدنيا والآخرة.. المعصية سبب للشقاء في الدنيا والآخرة. الله جل وعلا يأمرك .. فاتمر نهاك فانتهى .. حد لك حدودا لسعادتك فامتثل حدود الله، وأوامر الله.. احفظ الله يحفظك..
يقول الحافظ ابن رجب : احفظ الله بالإمتثال لأوامره والإستجابة لنواهيه والوقوف عند حدوده. إن فعلت ذلك فأنت ممن حفظ أوامر الله تبارك وتعالى.
أيها الحبيب الكريم :
المعصية ابتعاد عن منهج الله، ابتعاد عن حدود الله، تحد لأوامر الله تبارك وتعالى، فمن أخطر آثار المعاصي والذنوب أنها أخرجت الأبوين الكريمين من الجنة. نعم بسبب المعصية. وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ([13]) . فمن الذي أخرج الأبوين الكريمين من الجنة.. وما الذي طرد إبليس من رحمة الله.. وما الذي أهلك قوم فرعون..وما الذي أهلك قوم عاد.. وما الذي أهلك قوم ثمود.. وما الذي أهلك قوم قارون..وما الذي أهلك الَّظلَمَةَ والفَّجَرَةَ والجبابرة في كل عصر وحين.. إنه شؤم المعاصى والذنوب. فالمعاصى سبب للشقاء في الدنيا والآخرة. وانتبه أيها الحبيب الكريم : فمن أخطر آثار المعاصى والذبوب..
1- حرمان العلم: يقول عبد الله بن مسعود ، فى قوله تبارك وتعالى:وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ([14]) انتبه.. فإن كثيراً من طلاب العلم يشتكى سوء حفظه وضعف ذاكراته ولو فتشت أيها الحبيب الكريم لعلمت أن السبب هو المعاصى والذنوب. يقول ابن عباس: إن للمعصية سواداً فى الوجه، وظلمة في القبر وَوَهَناً في البدن، وضيقاً في الرزق، وبُغضاً في قلوب الخلق، وإن للطاعة : نوراً في الوجه، ونوراً في القلب، وقوة فى البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق.
ويقول ابن مسعود : إن لأحسب أن الرجل ينسى العلم يعلمه بالذنب يعمله.
لما أراد الشافعى الإمام أن يتلقى العلم على يدى. سيد المسلمين في زمانه الإمام مالك بن أنس بعدما تلقى العربية وفنونها في قبيلة هُذيل. عاد الشافعى يتكلم العربية بلغة فصيحة عجيبة فاغتاظ منه أحد بنى أعمامه وقال: يا شافعى يعز علىّ ألا أرى مع هذه اللغة فقهاً وعلماً. فقال الشافعى: فَعَلَى يَدِ مَنْ أطلب العلم : قال على يد سيد المسلمين، اذهب إلى مالك بن أنس فى مدينة رسول الله ، وانطلق هذا الشاب الزكى العبقري الصغير الذي لم يكن حينها قد جاوز الخامس عشرة من عمره، انطلق الشافعى ليبحث عن كتاب الإمام مالك «الموطأ» فاستعار الموطأ من رجل وعكف الشافعي مع الموطأ فحفظه عن ظهر قلب في تسع ليال. وأخذه في صدره، وانطلق إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام. وجلس الشافعى الإمام بين يدى أستاذه وشيخه مالك بن أنس وافتتح الشافعى الموطأ من حفظه ، فكلما نظر مالك إلى الشافعى يقرأ الموطأ من صدره أعجب بذكاءه، وبحسن قراءته وقوة حافظته وذاكرته وببلاغته.
يقول الشافعى: فكلما نظرت إلى مالك تهيبت أن أواصل القراءة، فنظر إلى مالك وقد أعجب بحسن قراءتى وحفظى وقال لى :زد يا فتى .. زد يا فتى .. زد يا فتى .. حتى أنهيت الموطأ كله في أيام قليلة. فلما رأى مالك هذا الذكاء وهذا الحفظ من الشافعى قال:
يا شافعى إنى أرى قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.
أحبتى.. ألم أقل إن للطاعة نورا في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق.
ألم أقل كما قال ابن عباس :
إن للمعصية سواداً في الوجه، وظلمة في القلب والقبر، وضيقاً في الرزق، ووهناًَ في البدن، وبُغضاً في قلوب الخلق.
فيا أيها الحبيب الكريم : اعلم بأن من اخطر أثار الذنوب والمعاصى أن تحرم من العلم، فإن زلت قدمك..، وجاذبتك أشواك الطريق يا طالب العلم فأنت بشر.. لست ملكاً مقرب، ولست نبياً مرسلاً، إنما ورد في الحديث ان رسول الله قال:
« كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ » ([15]) فإن زلت قدمك وجاهدك أشواك الطريق فتب إلى الله، وعد إلى الله واعلم بأنك على الحق إن شاء الله جل وعلا.
2- حرمان الرزق:
فقد ورد في المسند بسند جيد بأن رسول الله قال: «وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ » قد يقول قائل : ما بال هؤلاء الكفرة الملاحدة يتنعمون بأرزاق الله؟ نقول لقد تكفل الله سبحانه وتعالى برزق الخلق جميعاً من أخذ بالأسباب أعطته الأسباب النتائج بأمر مسبب الأسباب تبارك وتعالى حتى لو أخذ بهذه الأسباب كافر بمولاه.
هذا عهد الله جل وعلا ويتبقى الحساب في ويوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وإذا رأيت الرجل في نعمة الله. فاعلم أنه استدراج له من الله إن كان على معصية مولاه، اسمع إلى الله جل وعلا وهم يقول:أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ([16]) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ([18]) كلا- كلا ليس الأمر كما تقولون وكما تدعون فليس كل من يسر الله عليه يكون قد فاز برضوان الله وليس كل من ضيُق عليه يكون قد باء بغضب الله . إذن أيها الحبيب الكريم: اعلم بأن من عند الله لا ينال إلا طاعته وإياك أن تظن أن ما عند الله ينال بمعصيته، واحراص على أن تأكل الحلال الطيب. فإن العمر قليل، وإن أقرب غائب تنتظره هو الموت، وإن جسداً نبت على السُّحت وعلى أكل الحرام، فالنار أولى به.
فإياك والرشوة، وإياك والحرام، وإياك والباطل، وإنما أدخل على ولدك الحلال الطيب.. ليربى الله لك ولدك التربية الطيبة الصالحة في حياتك وبعد مماتك.
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا([19]) دخلوا على عمر بن العزيز وهو على فراش الموت: وقالوا: يا أمير المؤمنين ألا توصى لأولادك بشىء، فلقد أقفرت أفواه بنيك. فقال : أجلسونى، فاجلسوه فقال: فوالله ما ظلمتهم حقا هو لهم، ولم أكن لأعطيهم شيئا لغيرهم، وإن وَصِىّ فيهم اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ([20])
وإنما ولد عمر بين أحد رجلين: إما رجل صالح فالله ستولى الصالحين وإما غير ذلك فلن أترك له ما يستعين به على معصية الله. ادعوا لى بنىّ، فأتوه.
فلما رأهم ترقرقت عيناه وقال: بنفسى فتنة تركتهم عالة لا شئ لهم وبكى، يا بنى إنى قد تركت لكم خيراً كثيراً، لا تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقاً. يا بَنِىّ إنى قد خُيرت بين أمرين إما أن تستغنوا وأدخل النار أو تفتقروا إلى آخر يوم الأبد وأدخل الجنة، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلىّ، قوموا عصمكم الله، قوموا رزقكم الله. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا ([21])
3- الذل والهوان: لا تغتر بأهل الدنيا إن كانوا محادين لله ورسوله. إن الله يذل العاصى لشهوته.. لكرسيه.. لزوجته..لابنه الضال.. وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذلك المعصيةفي قلوبهم.. يأبى الله إلا أن يذل من عصاه. يا ابن آدم .. يا من عبدت الكرسى والمنصب الفانى.. إن غرتك قوتك فلم استحكمت فيك شهوتك، وإن غرك غناك فارزاق عباد الله في أرض الله يوماً واحداً.
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا([22]) لا على شرق ملحد، ولا على غرب كافر.وإنما على الله من أعجب ما قرأت في الحلية لأبى نعيم : أن إبراهيم بن أدهم جلس يوما يأكل بعض قطع اللحم المشوى فجاءت قطة فأخذت قطعة لحم وانصرفت، فجرى وراءها إبراهيم بن أدهم ليراقب الموقف وإذ به يرى القطة تضع قطعة اللحم أمام جُحر مهجور فراقب الموقف بشدة وانتباه فينظر إبراهيم فيرى ثعباناً أعمى يخرج من جحره ليأخذ قطعة اللحم ويرجع مرة أخرى، فبكى إبراهيم بن أدهم ورفع رأسه إلى الرزاق ذى القوة المتين وقال: سبحانك يا من سخرت الأعداء يرزق بعضهم بعضاً. وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ولكن لما قَلَّت ثقتنا في الرزاق.. وضعف يقيننا فى الرزاق.. رأينا الفسق وباركناه، وفتحنا أندية القمار وزكيناه.. وفتحنا الأبواب على مصراعيها للسياحة الداعرة.. وقنَّنا وشَرَّعنا لهم شرب الخمور في بلاد المسلمين مادام أن المسلمين لا يشربون الخمر فما الضير في ذلك؟!ما داموا يدخلون لنا الأموال التى حرمها الكبير المتعال جل وعلا.
ليس هناك ثقة فى الرزاق !!والله سبحانه وتعالى يقول:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ([23]) . الله أكبر