مزاجي : الدولة : عدد المساهمات : 41 السٌّمعَة : 10 تاريخ التسجيل : 31/05/2012
موضوع: التعارف قبل الزواج أو الزواج قبل التعارف!!؟ الإثنين يونيو 04, 2012 3:45 pm
التعارف قبل الزواج أم الزواج قبل التعارف؟ تمثل العقلية المحافظة عقبة أمام تطوير النظام الأسري، وتوسيع هامش التعارف المثمر بين الجنسين، كما تنزع لإيجاد بيئة مغلقة من شأنها تشديد الفصل الصارم بينهما. هذا الفصل الحديدي الناجم عن عادات اجتماعية أو أفكار دينية غالبا ما يولد حالة احتقان وعقد مكبوتة قد تنفجر في أية لحظة. وتعبر عن نفسها في صورة انحرافات أخلاقية.
كل ذلك يؤدي إلى شل قدرة الاختيار السليم والناضج عند الرجل أو المرأة على حد سواء. ذلك أن حالة النهم غالبا ما تنتج صورة مشوشة وأحيانا مشوهة عن الطرف الآخر.
إن دور المرأة والنظر لها كعنصر أساس في تشكيل الأسرة وبالتالي دورها في إنتاج مجتمع متوازن بات من سمات العصر الحديث، فلم تعد كسابق عهدها كائنا هامشيا مفتقدا للإرادة والاختيار في أعقد قضاياها المصيرية وأكثرها خطرا، بل أصبحت تتمتع بقدر كبير من الحرية والإرادة في بناء مستقبلها وتحديد مصيرها، بدءا من الزواج واختيار الزوج، مرورا بالاستقلال الاقتصادي عبر الوظيفة والعمل وحرية الحركة والنشاط الاجتماعي وانتهاء بإسهاماتها الفاعلة في بناء الحضارة الإنسانية.
كانت المرأة في ظل النظم الإقطاعية والبرجوازية تخضع لأصناف شتى من التنكيل والتهميش والإلغاء. وفي ظل نظام الرق البغيض وغير الإنساني، راجت ظاهرة الإماء والجواري، وكانت الجارية ملكا شخصيا للسيد والمالك، وكل تاجر أو حاكم أو وجيه يملك العشرات بل المئات من الجواري والإماء، وتشكلت أعراف وتقاليد عقب ذلك، وألقت بذيولها مع مرور الزمن على العنصر النسائي برمته، حتى انعكست هذه الأعراف والتقاليد على الفهم الديني، على هيئة حكم وواجب شرعي أحيانا!
ترسخت هذه التقاليد شيئا فشيئا في المجتمعات الإسلامية حتى باتت نظاما مستقلا للزواج، لذلك نرى أن الرجل في عرف هذه الثقافة التي شكلتها تلك التقاليد وفرضتها كنسق محافظ مازال ينظر للمرأة نظر السيد لجاريته، وكل الذي تغير هو أن الرجل قديما كان يملك عددا لا حصر له من الجواري والإماء، أما الآن فليس من حقه سوى جارية واحدة، وإن زاد فأربع!
لقد فرضت هذه الثقافة الذكورية نفسها على نظام الخطبة والزواج، فكان في السابق يقوم على مبادرة الرجل وتقدمه للخطبة من دون قناعة مسبقة في أغلب الأحيان، والفتاة نتيجة هذا النسق الفحولي المفرط لم تكن تطمح لشيء أكثر من أن تنتقل من بيت إلى بيت، أو من رق إلى رق، من رق الأب إلى رق الزوج، من دون توفر القرار الحاسم أو القناعة اللازمة. ولم يكن أيضا يسمح لهما أن يتعرفا على بعضهما البعض، ولم يكن للفتاة أي حرية في الرفض أو القبول، فيكفي أن يكون الرجل متدينا خلوقا، لكي يستحق أن يكون زوجا للفتاة! وبذلك تمارس عملية تهميش خطيرة لكل المشاعر والأحاسيس والحرية والاختيار.
لكن نتيجة لتغيرات جوهرية وتقدم كبير في مفاهيم حقوق الإنسان، في ظل ما أنتجته البشرية من حضارة ومدنية رائدة قلبت كل المفاهيم والقيم التي تحد من حرية الكائن البشري كقيمة ثابتة، استعادت المرأة بعض حقوقها ومكانتها، وأخذ الرجل يدرك أهميتها كشريك أساسي في أي بناء حضاري، وتبلور فهم جديد لظاهرة الحب ومركزيته في بناء الأسرة المتوازنة، تمهيداً لبناء علاقة زوجية ناضجة ومتينة ما أدى لرواج ما يمكنني أن أسميه «زواج الحب» في مقابل انحسار زواج الخطبة التقليدية.
إن وجود وعي بضرورة التطوير في مناحي الحياة الاجتماعية كفيل بإيجاد إصلاح في طبيعة العلاقة بين الجنسين وخلق بيئة مناسبة للانفتاح على بعضهما البعض، وذلك لا يمكن أن يحدث في ظل سيطرة ثقافة ساكنة لا يمكنها أن تنتج نفسها دون إحداث تغيير جذري يواكب التغيرات المحيطة والزمن المعاش. وهذا الانفتاح لا يمكنه أن يكون إلا في ظل اختلاط مقنن بحيث يكون للمرأة والرجل حرية كافية في التعارف بحدود تنسجم مع العقيدة والثقافة المحلية. وفي ذات الوقت ينبغي السير باتجاه «علمنة العاطفة» بعيدا عن مخلفات وعقد المجتمع ذي النزعة المحافظة.
بناء على ما تقدم، هل يمكننا الجزم بأفضلية أحدهما على الآخر؟ وهل يمكننا التكهن بنجاح ظاهرة الزواج القائم على فكرة الحب ؟ وهل إعطاء الطرفين حرية التلاقي في مجتمع معافى وسليم سيجعل هذه العلاقة ناجحة من شأنها أن تنتج أسرة مستقرة هادئة؟
بالرغم من أن هذه الأسئلة تحتاج إلى دراسات علمية وإحصاءات اجتماعية كثيرة تسهم في التوصل إلى إجابات مرضية، إلا أن القدر المتيقن هو أن التعارف قبل الزواج يجعل من الزيجة أكثر إثارة ومتعة وطمأنينة، ويمنحهما تجربة مفيدة في التعامل مع الآخر. إن التعارف قبل الزواج يعطي هامشا كبيرا من المناورة كما هو الحال بين أي صديقين غير ملزمين بالبقاء مع بعضهما إذا لم تتوفر عوامل وقابلية الحب حيث بإمكانهما الانفصال بهدوء قبل وجود العقد الرسمي.
أما التعارف بعد الزواج فهو يفتقد ذلك الهامش ليزج بهما إلى المصير المجهول والصدفة العمياء في الحب والتآلف والانسجام. فهو يبدأ قبل التعارف والتحبب، ولا يمكنهما التعرف على بعضهما البعض إلا بعد الاقتران والزواج والاعتماد على الحظ والحب بالمعاشرة!
يخطئ من يظن أن مجرد ذوق الأم أو الأخت أو أي قريبة أخرى يكفي لحسم مسألة الذوق والانسجام والحب، وكأن الحب شيء إرادي! أو يأتي كيفما نريد! في حين أن ليس من الضروري أن تكون القريبة دقيقة في اختيارها للمرأة المناسبة، ومع العلم أن نظرة الرجال للنساء ليست هي ذاتها نظرة النساء للنساء، يتضح مدى المجازفة في نظام الزواج على الطريقة التقليدية. وآخرون يرون في نجاح الزواج أن تكون المرأة متناسبة مع الرجل وراثيا أو جماليا أو طبقيا أو في المكانة الاجتماعية فقط، كأن الرجل سيكتفي بأن تكون المرأة لوحة تشكيلية زاهية الألوان، أو أن تكون سببا من أسباب نيل الوجاهة أو الثروة!!
إن الرجل «كما المرأة» يتطلع لعلاقة بريئة سيكولوجيا بينه وبين فتاة العمر... يطمئن بها وتستقر نفسه في التحدث إليها. إنه يتطلع إلى أن يعاشر زوجة، لا أن يزين بيته بلوحة جميلة أو يزيد بها رصيده في البنك ! فالمرأة ليست شيئا كمالياً يزين بها المرء منزله، المرأة إنسان والرجل إنسان وكلاهما يحتاج للأنس بالآخر في عملية تفاعل نفسي طبيعي.
قد يشير البعض إلى احتمال وقوع محظورات محرمة في مثل هذه العلاقات، وهذا أمر قد يحدث، ولكن ليس بالقدر المخيف خاصة حين ندرك أن كثيرا من الأمور التي جعلت في نطاق المحظور كصوت المرأة وتغطية الوجه وغير ذلك لا ترتكز على موقف ديني بقدر ما تشكل ثقافة جاءت كامتداد لنظام الرق القديم.
إن التعارف قبل الزواج يضفي جو نفسي سليم ويخلق بيئة أسرية صالحة بخلاف زواج «الصدفة» الذي ينتج عنه الكثير من الأعراض النفسية المرضية والتوترات الأسرية. من هنا تأتي أهمية إجراء دراسة علمية اجتماعية تتناول طرق الزواج وسبل النجاح فيها، خصوصا مع علمنا بوجود نتائج مروعة لدراسات حديثة عن تدهور الحالات الأسرية القديمة التي دشنت قبل عشرات السنين ولا زالت تعاني من صعوبات ومن بيئة غير مستقرة ! كما أن هنالك إحصائيات مروعة تشير إلى عدد كبير من النساء المصابات بداء الاكتئاب النفسي! وعدد آخر من الرجال غير راضين عن علاقاتهم الزوجية.